السيد الحبيب حاجي
رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان
كلمة السيد رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان
تحية النضال والصمود لكل الرفيقات والرفاق في جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان.
تحية محبة وتقدير وامتنان لممثلات ولممثلي الإطارات الحقوقية والسياسية والنقابية والجمعوية والشخصيات الوطنية التي تشاركنا في نضالاتنا الحقوقية ومحطاتنا المطلبية للدفاع عن حقوق الإنسان.
تحتل منظمات المجتمع المدني مكانة مركزية في منظمة الأمم المتحدة، إذ خولت المادة 71 من ميثاق الأمم المتحدة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي إمكانية مشاركة المنظمات غير الحكومية في أشغاله. وينبع هذا الاهتمام بمكانة المجتمع المدني من الفلسفة التي تأسست عليها منظمة الأمم المتحدة ومنظومتها الخاصة بحقوق الإنسان عقب الحرب العالمية الثانية والمتمثلة في إرساء قواعد الأمن والسلم الدوليين انطلاقا من تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا ومناهضة جميع أشكال التمييز بين البشر.
وقد كرست المواثيق والإعلانات الدولية مكانة المجتمع المدني وأرست أسس التفاعل معه سواء من جانب الدول أو في إطار منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، حيث نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه 19 و 20 على حرية الرأي والتعبير وتأسيس الجمعيات والانضمام إليها، كما نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادتيه 21 و 22 على الحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات وإنشاء النقابات والانضمام إليها.
وانطلاقا من موقعها، كطرف أساسي في منظومة حقوق الإنسان إلى جانب الحكومات والمؤسسات الوطنية، اضطلعت منظمات المجتمع المدني بأدوار ريادية في مراقبة أوضاع حقوق الإنسان والدفاع عنها وساهمت في تطوير الأطر المعيارية الدولية ذات الصلة وفي تطوير الآليات الأممية لحقوق الإنسان. وقد تم الاعتراف بهذه الأدوار وتأكيد الحث على تقوية أدوار منظمات المجتمع المدني في القرار عدد 60/251 المحدث لمجلس حقوق الإنسان في مارس 2006 والذي أتاح إشراك هذه المنظمات كمراقب في أشغال مجلس حقوق الإنسان.
وانسجاما مع الانخراط المبكر للمملكة المغربية في المنظومة الأممية لحقوق الإنسان، ولو على الصعيد الشكلي بالمصادقة أو المصادقة الناقصة بالتحفظ أو التنصيص عليها قانونا ودستورا دون أن تجد منفذا للتطبيق، واختيارها الاستراتيجي للتعددية السياسية ولو بأعطاب، وحرية الفعل المدني ولو على المقاس، كما كرسها إصدار ظهير الحريات العامة لسنة 1958، لعبت منظمات المجتمع المدني أدوارا طلائعية في مختلف محطات تاريخ المغرب الحقوقي، وهي أدوار ساهمت في دسترة حقوق الإنسان والحريات سنة 2011، وفق التزامات المملكة، وتقوية الإطار المؤسساتي لحقوق الإنسان، والرقي دستوريا بالقضاء إلى سلطة مستقلة، فضلا عن تعزيز أدوار ومكانة المجتمع المدني في مجال تنمية الديمقراطية التشاركية، إذ يعتبر الفصل الأول من الدستور الديمقراطية المواطنة والتشاركية بمثابة أحد ركائز النظام الدستوري للمملكة، وينص الفصل 12 منه على أن «الجمعيات المهتمة بالشأن العام والمنظمات غير الحكومية تساهم في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها».
وفي سياق دولي خاص، تتطلع فيه المنظومة الدولية لحقوق الإنسان إلى كسب رهان فاعلية الحقوق للفئات الهشة في ظل عالم لازالت تشوبه الصراعات والنزاعات وتقليص نسب الفقر بين الدول ومواجهة التحدي الجديد لتفشي داء كوفيد 19 والانتقال من نموذج عالمي للنمو الاقتصادي ينتهك حقوق الأجيال القادمة إلى نموذج تنمية مستدامة. وفي ظل ظرفية وطنية بالغة الحساسية، نسجل من خلالها انكباب الدولة المغربية الدؤوب لبلورة نموذج اقتصادي جديد بعد فشل النموذج التنموي الحالي بإقرار أعلى سلطة في البلاد يجيب عن أسئلة وانشغالات الأفراد والهيئات والمؤسسات في إرساء تنمية اقتصادية داعمة لفاعلية الحقوق الإنسانية للأفراد ومكرسة للمساواة بينهم. هذا بالرغم من مخالفة الجمعية للمبادرة والسياق والاليات، وذلك لمخالفتها مقتضيات إعلان الحق في التنمية المبنية على شمولية وتكامل حقوق الانسان التي تعتمد التنمية على إعمال منظومة حقوق الانسان دفعة واحدة وفي تكاملها ومجموعها والتي تعتمد في الأساس على التعليم الجيد المنتج الالزامي المتاح المجاني الموحد العقلاني وتوفير الامكانيات المادية والعلمية لذلك، ضمن استراتيجية طويلة الأمد لتحقيق الناصفة والقضاء على الجهل والامية والاكتفاء الذاتي العلمي والمساهمة في الإنتاج المعرفي العالمي.
كما تختلف الجمعية مع المبادرة لربطها بلجنة زاغت في نظرنا عن المنطقات الحقوقية في تهييء مشروع النموذج المرتقب.
في ظل هذين السياقين الوطني والدولي تعقد جمعية الدفاع عن حقوق الانسان مؤتمرها السادس المخلد للذكرى العشرين لتأسيسها مستحضرة مواكبتها لفترة هامة من تاريخ بلادنا الحقوقي، عنوانها التدافع والصراع من أجل بناء وترسيخ مجتمع الحقوق والحريات من جانب قوى الحداثة وحقوق الانسان وترجمة إرادة الدولة المصرح بها كنوايا، وطموحات المجتمع في إرساء أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان على أرض الواقع بعد تحقيق مصالحة عمودية وملكية برلمانية.
وهي فترة كذلك سجلت فيها بلادنا تجربة حكومة التناوب سنة 1998، رغم کونه تناوبا ممنوحا بدليل التراجع عنه بسرعة وفي أول فرصة. المهم كان اعترافا سياسيا من أعلى قمة في الدولة بضرورة التناوب بتجاوز الاسوأ واعترافا بأهمية القوى الدمقراطية الوطنية الحداثية في الاستقرار وتدبير الشأن الحكومي في لحظة السكتة القلبية وتحسين الوضع الحقوقي…
هذا فضلا عن إجراء تقييم ال 50 سنة من الاستقلال، أفضى إلى تشخيص الخصاص في مجال التنمية البشرية وضرورة إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية ولو في الحدود الدنيا ضرورة لا محيد عنها.
كما تميزت هذه الفترة بإحداث هيئة التحكيم المستقلة لتعويض ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. كما تم إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2004 التي حاولت إرساء دعائم تجربة وطنية في مجال العدالة الانتقالية، وتوجت أعمالها بإصدار تقرير تضمن توصيات تخص حماية حقوق الإنسان والنهوض بها والتأسيس لمناهضة الإفلات من العقاب ولسياسة جنائية جديدة في ظل دولة القانون والمؤسسات، هذا ورغم ذلك خالفت جمعيتنا هذا المسار أنذاك وأعلنت موقف اللامصالحة والإنصاف بناء على عدة معطيات :
فواقعيا وعلى عكس ما صرح به انحرفت التجربة عن الأهداف الحقوقية ولم تحدث أي أثر على الوضع المادي للحقوق لانعدام مؤشرات الانتقال الديمقراطي والعدالة الانتقالية.
غياب أطراف المصالحة كلهم وعلى رأسهم الشهداء والمختطفين المعتبرين في حكم المغتالين الذين لا يوجد من يمثلهم في المصالحة وفي الإنصاف إلا بعقاب الجاني مساهما ومشاركا_ وبدون إعمال السلطة الملاءمة_ عقابا قضائيا ( بقضاء مستقل ونزيه ) لا موالاة فيه الجانب الجاني، على عكس التعويض الذي يوجد من يمثلهم فيه. ونقول التعويض المادي وليس الإنصاف والمصالحة.
غياب الجاني المنتهك المساهم والمشارك في الانتهاكات موضوع الإنصاف والمصالحة الذي غيبته الدولة عن قصد لحمايتهم من العقاب وتركهم يتمتعون بالامتيازات التي منحتها الدولة لهم سواء الاقتصادية أو المعنوية او على صعيد المناصب الإدارية والسياسية إن كانوا يحتلونها.. و لإخفاء أسمائهم بعدم مطالبتهم بالكلام والقرار بالافعال وطلب الصفح من الضحايا.
من هنا انبنی موقف «لا مصالحة» في غياب اطرافه الأساسيين الجاني والعديد من الضحايا والشهداء والمختطفين.. إقصاء عن قصد العديد من الضحايا من التعويض والمصالحة لكونهم ضحايا انتهاكات ثابتة وصارخة للمحاكمة العادلة وللحرية وللصحة ومواصلة الدراسة وجودة الحياة مستقبلا..
غياب الشعب )الهيئات المناضلة الحقوقية والمدنية والسياسية والنقابية ( الذي لن يعوض الا بإقرار حقيقي ومادي لدولة حقوق الانسان / الدمقراطية.
التعاون مع الإرهابيين في توجيه وتشويه مسار المصالحة والانصاف وتعويض من لا يستحق بل المفلتين أنذاك وحاليا من العقاب بالتزوير والكذب وبغظ الطرف من الدولة ومن أعضاء هيأة التعويض الرسمية عن التزوير والكذب وصنع وقائع كاذبة وشهادات غير منسجمة مع التاريخ. وهنا نخص بالذكر حالة الإرهابيين حامي الدين واحمد الريسوني الذي أعطى شهادة مزورة مخالفة لتاريخ تأسيس التنظيم المعلن انتماء الإرهابي حامي الدين ورئيس احمد الريسوني.
أما الأول فهو من بین المساهمين في اغتيال ایت الجيد محمد الملقب حركيا ببنعيسى شهيد الحركة الطلابية والحقوقية والثقافية واليسار والشعب المغربي، و ضحية انتهاك حقه في الحياة بشكل فظيع والذي تتحمل فيه الدولة قسطا مهما من المسؤولية، دون أن تتحدث عنه حركة الإنصاف والمصالحة.
كما عرفت هذه الفترة إصدار مدونة الأسرة التي مثلت صراعا بين قوی حقوق الانسان واعدائها والدولة وانتهت بتحكيم ملكي ممثلا للدولة )القوى المناضلة حقوقيا ومدنيا ونقابيا وسياسيا ضد الإسلام السياسي ( حيث كان هذا الصراع ذا طابع مجتمعي وميداني عبر المسيرات والوقفات والندوات.. وصل حد التكفير والتهديد بالعنف الاستراتيجي. ورغم التحكيم الملكي فقد فتح المجال للبرلمان كفضاء تمثيلي للتقرير في القضايا الاستراتيجية، مما فتح الأفق لفتح نقاش حول حقوق المرأة لتطويرها والنهوض بها و بالأسرة وحماية الطفولة، فضلا عن تعديل قانون الجنسية الذي أزال عائقا أمام الأم المغربية لعيش حياتها وحياة أبنائها من أجانب في جو طبيعي بالتمتع بالجنسية المغربية لهؤلاء الأبناء.
و مدونة الأسرة، رغم التعديلات وحجم الصراع المتخذ بشأنها على أكثر من صعيد فإن التعديل الأساسي الذي عرفته هو إقرار النسب لابن الخطوبة وعدم اعتباره ابن الزنى. مع استمرار الفصل بين البنوة البيولوجية والشرعية واستمرار عدم المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث والزواج والطلاق والولاية والنيابة.
كما أن البند 32 من الدستور) دستور (2011 يعتبر من أكبر الانتهاكات لحقوق الاطفال والأمهات حيث له انعكاسات على باقي القوانين الدنيا ووجب تعديله.
وعلى الصعيد المؤسساتي، تميزت هذه الفترة أيضا بإحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وديوان المظالم / الوسيط حاليا وإعادة تنظيم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان طبقا لمبادئ باريس الناظمة للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. ونفس الشيء فإن هذه المؤسسات التي تتوخى رفع الظلم والعلاقات الفاسدة عن المواطن ظلت دون جدوى من حيث إنتاج الفعل الايجابي وبالمردود الحقوقي اللهم إحصاء حجم الشكايات والتظلمات، كما ظلت توصياتها وتقاريرها غير مؤثرة على مراكز القرار كباقي المؤسسات من حجم المجلس الأعلى للحسابات وغير ظاهرة للمتتبع وغيرملموسة لدى المواطن.
وبدسترته للتوصيات الوجيهة لهيئة الإنصاف والمصالحة وتكريسه لبعض الحقوق والحريات الأساسية واعتبار الديمقراطية خيارا استراتيجيا واعتماد تصور جديد _وإن كان غير المطلوب_ لفصل السلط المكرس للتوازن والتعاون بينها، وصيانته الهوية المغربية بكل مكوناتها وروافدها وعلى رأسها الهوية الأمازيغية ورافدها، شكل اعتماد دستور 2011 محطة مهمة في تاريخ المغرب الحقوقي، على درب تنزيل بعضه المرغوب فيه وتعديل البعض الاخر وحذف آخر وتطعيمه بحقوق أخرى.
في ظل واقع مغربي معهود، ما يميزه هومزيد من الفوضى السياسية والمؤسساتية وغياب المؤسسات، فلا الحكومة حكومة ولا البرلمان برلمان ولا الأحزاب أحزاب، انتخابات مزورة انتخبت برلمانا دون محتوى وحكومة لا صلة لها بالبرلمان، أي غياب الآليات الديمقراطية التي تعتبر إحدى حقوق الإنسان، والتي تبين انعدام الحياة السياسية بالمغرب والتي لا تستطيع اتخاذ قرار بشأن الوضع العام.
أما فيما يخص الحق في التعليم فهو يشغل مكانا وموقعا مركزيا ومحوريا في مجال حقوق الإنسان، ويعتبر أمرا أساسيا لضمان ممارسة حقوق الإنسان الأخرى، بحيث أن التعليم يعزز الحريات والقدرات الفردية، كما أنه يعود أيضا بفوائد إنمائية مهمة ومتعددة.
فالإتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان تحدد الالتزامات القانونية الدولية والوطنية المتعلقة بضمان إعمال الحق في التعليم:
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: يشير في المادة 26 منه إلى «أن لكل شخص الحق في التعليم، كما أنه يجب أن يوفر التعليم بالمجان…».
العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي أشار في المادة 13 منه إلى «أن الدول الأطراف تقر بحق كل فرد في التربية والتعليم، وعلى أن يتم توجيهه إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها، وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية».
اتفاقية حقوق الطفل وغيرها.