الرصد والتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان حالة مثليي بني ملال
بعد حوادث الاعتداء على فتاتي إنزكان، مثلي فاس، فتاة الدار البيضاء، فتاة طنجة واعتداءات أخرى بمدينة سلا. إستفاق الرأي العام على حادثة جديدة تتعلق كذلك بالتضييق على الحريات الشخصية. هذه الأخيرة التي تابعناها في فيديو على موقع اليوتوب ومواقع إلكترونية أخرى وكذا على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا الفيديو الذي يحمل الكثير من العنف، إذ يظهر من خلاله اعتداء مجموعة من الأشخاص على شابين مثليين داخل أحد البيوت بالضرب والجرح وكذا الإصرار على الإبقاء عليهما في حالة عري، بل وتعمد إخراج أحدهما عار إلى خارج البيت ريثما تحضر الشرطة للوقوف على الواقعة.
هكذا، وبعد تتبعنا لتفاصيل هذا الفيديو واطلاعنا على نوع وحجم العنف الذي تعرض له هاذان الشابان، سواء العنف المادي المتمثل في الاحتجاز والضرب والجرح وحتى العنف المعنوي والمتمثل في السب والقذف والإهانة وكذا التشهير. لاحظنا بداية أن هذه الاعتداءات على أشخاص يمارسون حرياتهم الشخصية قد توالت في الآونة الأخيرة، مع أنه قد تم إصدار بيان من طرف وزارة العدل والحريات ووزارة الداخلية يُذكّر جميع المواطنين أن أي عمل أو فعل يهدف أن يحل محل العدالة أو قوات الأمن يعتبر غير قانوني البتة، وبأن الأشخاص الذين يلاحظون أي خرق للقانون مطالبون بتبليغ السلطات القضائية أو مصالح الشرطة أو الدرك الملكي فورا للقيام بالتدابير القانونية اللازمة لفرض احترام القانون. وأن أي شخص أو مجموعة تسعى إلى أن تحل محل العدالة ستتم متابعتهم أمام المصالح القضائية المختصة وفق المقتضيات القانونية الجاري بها العمل.
قراءة في بيان وزارة العدل والحريات ووزارة الداخلية
إن توالي جرائم الاعتداء على الممارسين لحرياتهم الشخصية خاصة بعد إصدار البيان أعلاه يعزز موقفنا السابق إزاء هذا الأخير، والذي اعتبرناه في عمقه يؤكد على أن الأفعال التي يلاحظها هؤلاء المعتدين هي أفعال جرمية، لكن فقط يتعين عليهم أن يتركوا التعامل مع مرتكبيها للمصالح المختصة، الشيء الذي لن يردع هؤلاء المعتدين، بل سيدفعهم إلى تطبيق (شرع اليد) مادامت هذه الأفعال مجرمة. والدليل على جرميتها هو أن هذا البيان قد جاء في سياق الاعتداء على فتاتي إنزكان وعلى مثلي فاس، وكذا ورود هذا التعبير فيه: «وبأن الأشخاص الذين يلاحظون أي خرق للقانون…» والذي يؤكد بأثر رجعي – أي إذا ما نحن أسقطناه على الحادثتين اللتين سبقتاه وشكلتا سياق صياغته وروده – أن الأفعال التي تسببت في الاعتداء على أصحابها هي خرق للقانون. وعليه فهذا بدل أن يردع هؤلاء المعتدين المتطرفين سيدفعهم إلى تكرير الاعتداءات بدعوى أنها تأتي كرد فعل على أفعال مجرمة قانونا، وبذلك فهم حسب تصورهم وتزكيته بهذا البيان الرسمي يمارسون حقهم في الوقوف في وجه مرتكبي هذه الجرائم حسب تصورهم طبعا وفي معاقبتهم بحجة حفاظهم على المجتمع، على الدين، على القيم، على الثقافة المجتمعية السائدة…إلخ؛ أي بدافع عقائدي.
وهكذا، فهم واقعيا يزاولون مهام الضابطة القضائية في جرائم التلبس، بل ويخيل لهم أنهم يمثلون محاكم الدولة، فنراهم يحاكمون وينزلون العقوبات في نفس الوقت على ضحاياهم، والأكثر من ذلك فهم يتجاوزون سلط الاعتقال والمحاكمة إلى التعذيب والتهديد والسب والقذف والتجريد من الملايس والمس بالكرامة الإنسانية والابتزاز… إلخ.
قراءة في الاعتداء على مثليي بنى ملال:
نلاحظ أن تلك الاعتداءات تفوق في شكلها وفي ظروفها وفي حدتها جرائم القانون الجنائي. ذلك أنها تشكل نوعا من الاعتداء الذي يمس بالحريات الشخصية، وهي بهذا الشكل تسمى اضطهادا. لذا يجب تجريم هذا السلوك وإدخاله في نطاق الأفعال المجرمة في القانون الجنائي كجريمة لها صبغة جنائية وليست جنحية.
فما رأيناه في هذا الفيديو وفي فيديوهات سابقة للاعتداء على فتاة الدار البيضاء وعلى فتاتي إنزكان وعلى فتاة بطنجة وعلى مثلي فاس واعتداءات أخرى بسلا هو اضطهاد، والجاني يكون في وضع يمكن أن يصل فيه اعتداؤه إلى القتل. فهو يعتبر نفسه في موقف مدافع عن توجهه العقائدي والأدهى أنه يعتبره التوجه العقدي للمجتمع ككل، هكذا فهو ينصب نفسه مدافعا عن المجتمع. كما أن الذين يتعرضون لمثل هذا الاعتداءات لا يعرفون حدود عقابهم والذي من الممكن أن يصل إلى حد الموت.
إضافة إلى ذلك، ينطوي الاعتداء على مثليي بني ملال على مجموعة من الأفعال الجرمية بدء من اقتحام مسكن الغير واحتجازه ثم تعذيبه، وهاذان لهما وصف جنائي يتجاوز التحرش أو التحريض على الفساد كما هو الحال في ملف فتاتي إنزكان، كما يتشكل هذا الاعتداء من جرائم أخرى كالساب والقذف والمس بالكرامة في حق شخصين يمارسان حريتهما الشخصية في مكان مغلق بعيدا عن المجتمع ولا يمس أحدا بأذى. وهو ما يتماشى مع ما تم التنصيص عليه في مجموعة القانون الجنائي المغربي في المادة 1، إذ «يحدد التشريع الجنائي أفعال الإنسان التي يعدها جرائم بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو تدابير وقائية». فكيف لفعل ممارس في مكان مغلق ولا يلحق أذى أن يحدث اضطرابا في المجتمع وبالتالي أن يستلزم هذا النوع من العقاب؟
وعليه، حري بالذكر بأن ممارسة الحياة الشخصية ليس فيها مساس بالمجتمع. فهو إضافة إلى أنه حق لكل إنسان في ممارسة هذه الحرية، فذلك ليس فيه عنف تجاه الآخر ولا إصرار لجره إليها، ذلك أنها تتسم بالطابع الشخصي المحض وبارتباطها بشخصية المرء وبميولاته وبرغباته وبأفكاره على خلاف ما يشنه بعض المتطرفين من اعتداءات في حق من يمارسون حرياتهم الشخصية، لما في ذلك من مساس بهؤلاء وكذا بالمجتمع ككل. فمثلا بعد واقعة فتاتي إنزكان أصبح جزء كبير من النساء يخشين الظهور بملابس قد تعرضهن لما تعرضت له فتاتي التنورة، كما أن ما تعرض له مثلي فاس جعل العديد من المثليين يتخوفون من الظهور والتجول في الشارع العام خوفا من نفس مصير مثلي فاس، والأكثر من هذا فالمجتمع ككل بعيدا عن هاته التصنيفات (يعني المثليين أو ما يسمى المتحررات) أصبح – أي المجتمع- يخشى التعرض لمثل هذه الاعتداءات من طرف بعض المتطرفين الذين يزاولون تقريبا نفس مهام الشرطة الدينية أو جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الموجودة بالسعودية وبإيران بدافع
الحفاظ على قيم المجتمع أو قيم الدين الإسلامي. خاصة أن هؤلاء المعتدين المتطرفين يفهمون الدين الإسلامي فهما خاطئا، فأفكارهم متطرفة ولا علاقة لها بجوهر وبروح الإسلام الذي يجرم انتهاك الحرمات والسب والقذف والتشهير بالغير والتعذيب والتمثيل بجسد الغير والترهيب.
وهنا نسوق واقعة لعمر بن الخطاب (أخرجها الخرائطي في مكارم الأخلاق): «إن عمر بن الخطاب كان يعس بالمدينة من الليل، فسمع صوت رجل في بيت يتغنى، فتسور عليه، فوجد عنده امرأة، وعنده خمرا، فقال: يا عدو الله، أظننت أن الله يسترك وأنت على معصيته؟ فقال: وأنت يا أمير المؤمنين، لا تعجل على، إن أكن عصيت الله في واحدة، فقد عصيت الله في ثلاث، قال تعالى: ولا تجسسوا، وقد تجسست، وقال الله عز وجل: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها، وقد تسورت علي ودخلت علي من ظهر البيت بغير إذن، وقال الله عز وجل: لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها، فقد دخلت بغير سلام. قال عمر رضي الله عنه: فهل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: نعم، والله يا أمير المؤمنين، لئن عفوت عني لا أعود لمثله أبدا، قال: فعفا عنه، وخرج وتركه».
توصيف الاعتداء على مثليي بني ملال بجريمة الاضطهاد:
الواقع أن احتجاز شخص وتعذيبه قد يكون له غالبا مبرر أو دافع كتصفية الحسابات المالية أو قد يكون ردا على اعتداء سابق في إطار سياسة (العين بالعين… والبادئ أظلم)، هكذا يكون الاعتداء عليه بغرض تحصيل منفعة مادية، وهذه الواقعة تعد جريمة حسب القانون الجنائي المغربي ويعاقب عليها حسب الفصلين التاليين:
الفصل 436:
«يعاقب بالحبس من خمس إلى عشر سنوات كل من يختطف شخصا أو يقبض عليه أو يحبسه أو يحجزه دون أمر من السلطات المختصة، وفي غير الحالات التي يجيز فيها القانون أو يوجب ضبط الأشخاص».
الفصل 437:
«إذا كان الاختطاف أو القبض أو الحبس أو الحجز يهدف إلى تمكين مرتكبيه من أخذ رهائن إما لإعداد أو تسهيل ارتكاب جريمة أو جنحة وإما لتيسير هروب مرتكبي الجناية أو الجنحة أو إفلاتهم من العقاب كانت العقوية يالسجن المؤبد.
وكذا الشأن إذا كانت هذه الأفعال تهدف إلى تنفيذ أمر أو توفير شرط ولاسيما أداء فدية».
لكن احتجاز وتعذيب مثليي بني ملال لم يكن له دافع مادي أو اقتصادي يحرك أولئك المعتدين عليهما. هكذا فنحن نجهل ما يروج في أذهانهم: وبذلك تبقى تلك الاعتداءات مفتوحة على التطوير والتصعيد والمبالغة في العنف والتعذيب والتمثيل بالجسد وقد يصل الأمر إلى القتل، كما أن الضحية في هذا الوضع يجهل كيف سيتم إنقاذه، بل وحتى لا يتصور إمكانية إنقاذه وإفلاته من هذا التعذيب لأنه أصلا غير مطالب من طرف المعتدي عليه بفدية أو بتحويل ملكية أو بتسديد دين أو بتحقيق أي شرط كان من شأنه أن يعود بالمنفعة على المعتدي، الشيء الذي يزكي لديه أنه غير فار من الوضع الذي حل به، لأن إيقاف تعذيبه غير متوقف على تحقق منفعة مادية أو مالية لصالح المعتدي، فالدافع هنا عقائدي سواء ديني أو عرقي أو ثقافي …إلخ.
كما وتظل حدود هذا التعذيب غير معروفة، فهي موسومة بهيجان سلوكي يسيطر على المعتدي وبتطرف في انتقاء وإنزال أساليب اعتداء بشعة على الضحية، إضافة إلى ذلك فهذا المعتدي الهائج والمتطرف الذي يضطهد الضحية في الشارع أو يسجل ويوثق اعتداءاته هذه ويعرضها على المجتمع، هو في واقع الحال يضطهد الضحية ومن خلاله يضطهد المجتمع بشكل عام، فيمس بذلك بالحريات الشخصية وبالتالي ممكن أن يصير الأمر متعمدا، بمعنى تصيّد الفرص لاضطهاد شخص ما ومن خلاله اضطهاد المجتمع بأكمله، مما يخلق فزعا في نفوس الناس فهم يصبحون في حالة ترقب وتخوف من التعرض لذات الموقف ما دام مجتمعنا يغزوه مجرمون متطرفون لهذه الدرجة.
والأكيد أننا إن أخذنا بعين الاعتبار نفسية الضحية التي تدرك أن المعتدي لا يبتغي من وراء اعتداءاته وعنفه تحقيق منفعة مادية، والتي تعي جيدا أنه ما من حدود لهذا العنف، فإننا سنخلص إلى أن الضحية سترغب إما في الهرب – وهذا أمر صعب جدا نظرا لواقعة الاحتجاز والتعنيف المبالغ فيه – أو سترغب في استدعاء وحضور قوات الأمن حتى توقف هذا الوضع، مع أنه قد تكون (الضحية) على علم ودراية بأن القانون يجرم أفعالها وخير لها ألا تقع بين أيدي الشرطة، لكن بشاعة ما يمارس عليها من عنف وتعذيب من لدن معتد متطرف قد يقدم على قتلها في أية لحظة تدفعها لاختيار الوقوع تحت قبضة جهاز تحكمه قواعد قانونية ترسم حدود المتابعة والعقوبة بدل البقاء تحت رحمة آلة متطرفة لا تنتج إلا العنف والتعذيب.
وتأسيسا على ما سبق خلصنا إلى توصيف الاعتداء الذي تعرض له مثليي بني ملال بجريمة الاضطهاد لما تنطوي عليه هذه الجريمة من أفعال جرمية متعددة أغلبها ذات طبيعة جنائية، ونظرا لعدم تعلقها على شرط يوقفها أو منفعة مادية تتحقق للمعتدي وتصرفه عن ارتكاب جريمته أو التوقف عنها في حدود معينة، وهو ما جعلنا نتجاوز تكييفها على أنها جريمة متعددة كما ينص على ذلك الفصلين الآتيين:
الفصل 119:
«تعدد الجرائم هو حالة ارتكاب شخص جرائم متعددة في آن واحد أو في أوقات متوالية دون أن يفصل بينها حكم غير قابل للطعن».
والفصل 120:
«في حالة تعدد جنايات أو جنح إذا نظرت في وقت واحد أمام محكمة واحدة، يحكم بعقوبة واحدة سالبة للحرية لا تتجاوز مدتها الحد الأقصى المقرر قانونا لمعاقبة الجريمة الأشد».
المطالبة بتضمين القانون الجنائي المغربي لجريمة الاضطهاد:
بناء على ارتكازنا على التأثير الاجتماعي السلبي للاعتداء على أشخاص يمارسون حرياتهم الشخصية من طرف أشخاص عنيفين متطرفين تحركهم دوافع عقائدية تجعلهم يستأثرون بسلطة تنزيل عقوبات على ضحاياهم العنف فيها والتعذيب غير محدودين.
وتماشيا مع تفكيكنا للعناصر التركيبية لجريمة الاعتداء على مثليي بني ملال، فإن جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان:
تحمل الدولة المغربية مسؤولية مثل هذه الاعتداءات الماسة بالحالة النفسية والجسدية والأمنية للضحايا وللمجتمع بشكل عام.
تطالب الدولة المغربية بتجريم هذه الاعتداءات وتكييفها على أنها جريمة جديدة تسمى «جريمة الاضطهاد» وإدخالها في المجموعة الجنائية المغربية.
تطالب الجمعيات الحقوقية وكل القانونيين بفتح نقاش في هذه الجريمة الماسة بالحريات الشخصية.